USD 0,0000
EUR 0,0000
USD/EUR 0,00
ALTIN 000,00
BİST 0.000

عقدة السويداء: هل الدروز حركة مقاومة عربية أم بيادق في لعبة إسرائيل؟

عقدة السويداء: هل الدروز حركة مقاومة عربية أم بيادق في لعبة إسرائيل؟
18-07-2025

في جنوب سوريا، في ركن منسي من الخرائط، هناك بركان هادئ على السطح، يغلي في أعماقه: السويداء. هذه المنطقة الجبلية، موطن الطائفة الدرزية، لم تعد مجرد مساحة جغرافية، بل أصبحت ساحة لحروب الوكالة بين القوى الكبرى، واختبارًا صعبًا لولاءات الشعوب، ومحطة جديدة في استراتيجية إسرائيل للهيمنة.

مرّ أكثر من عقد على الحرب في سوريا، لكن المجتمع الدرزي لم ينخرط بالكامل في صف النظام، ولم ينضم علنًا للمعارضة. بدا حياديًا، لكن هذه الحيادية لم تكن إلا ستارًا لاتفاق ضمني مع نظام الأسد.

الدروز: عنصر توازن في الشرق الأوسط أم رقعة شطرنج؟

قدّم النظام للدروز حكمًا ذاتيًا محدودًا، ورواتب للميليشيات، وتدخلاً حكوميًا خفيفًا، فنجت السويداء من دمار حلب وحمص. لكن ذلك الهدوء بدأ يتلاشى.
فالمجتمع الدرزي اليوم منقسم إلى تيارين:

  • تيار يؤمن بالعروبة ويناضل من أجل وحدة سوريا.

  • وتيار آخر يمدّ يده لإسرائيل، ويبحث عن مستقبله بضمانة تل أبيب.

إسرائيل تسعى لتعميق هذا الانقسام، فتُظهر وكأنها تقدم الدعم، لكنها يد سبق أن تركت شعوبًا كثيرة في منتصف الطريق. وإن لم يدرك الدروز هذه اللعبة، فإنهم اليوم يمدّون يدهم، وغدًا قد يُتركون بلا سند.

تكتيك إسرائيل: "ادعمهم ظاهريًا، استغلّهم، ثم تخلّ عنهم"

استراتيجية إسرائيل معروفة: تغذية النزعات الانفصالية، خلق مناطق أزمة، ثم المراقبة من الخلف. استخدمت هذا النموذج في لبنان مع الميليشيات المسيحية، في العراق مع بعض الفصائل الكردية، وفي إيران مع الأقليات العرقية. واليوم، الدور على الدروز.

عبر زعماء دينيين كـ موفق طريف وبعض الشخصيات الانفصالية، تحاول إسرائيل تنظيم حركة موالية لها داخل المجتمع الدرزي، وتعمل على تهميش الخط القومي العربي، ممثلًا بشخصيات مثل الشيخ حكمت الهجري.

لكن لهذا المسار ثمن باهظ:
الاشتباكات الداخلية في السويداء، جعلت من الدروز في نظر بعض السوريين "مجتمعًا عميلًا". كما أن هجمات الميليشيات الموالية لإسرائيل ضد قوات الأمن السوري، دفعت الدولة للتدخل الصارم.

موقع تركيا على الطاولة

تركيا ليست طرفًا مباشرًا في أزمة السويداء، لكنها معرّضة للتأثر بها بشكل غير مباشر لأسباب عديدة:

  • المسعى الإسرائيلي لإنشاء مناطق نفوذ جديدة داخل سوريا، يمتد تأثيره إلى الحدود الجنوبية لتركيا.

  • استخدام الورقة الطائفية والعرقية، قد يُستنسخ لاحقًا في الداخل التركي.

  • كلما تقوّت فكرة تقسيم سوريا، ازدادت مساعي التنظيمات الإرهابية لكسب الشرعية.

كيف تعاملت تركيا مع الأزمة؟

عملت أنقرة مع السعودية ودول الخليج لتقييد الهجمات الجوية الإسرائيلية، ما أدى إلى تراجع تل أبيب. كما أفسحت المجال لانتقال تدريجي في السويداء من قوات النظام إلى قوات محلية، مما خفف حدة التصعيد.

وهكذا، تم وأد محاولة إشعال فتنة طائفية في مهدها، وهو ما كانت إسرائيل تسعى إليه.

الدروز أمام مفترق تاريخي

الدروز اليوم لا يواجهون فقط صراعًا سياسيًا، بل قرارًا مصيريًا:

  • إما الاندماج في الدولة السورية والمساهمة في مستقبل مشرف،

  • أو التحول إلى بيادق في لعبة إسرائيلية قصيرة الأمد.

لكن لا ينبغي أن ينسوا:
إسرائيل لا تحمل أحدًا على ظهرها إلى الأبد، وعندما تنتهي مصلحتها، لا يبقى لا الشيخ حكمت الهجري، ولا الوعود بغدٍ آمن.

السلام الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من الداخل، من إرادة الشعوب.

تركيا ودورها في الشرق الأوسط

الأمر بالنسبة لتركيا لا يتعلق فقط بسوريا، بل هو مسألة أمن قومي، ومسؤولية إنسانية، ويقظة تاريخية.

ففي النهاية، من يحدد مصير الأجيال القادمة ليس الاتفاقيات على الطاولة، بل الإرادات الحرة للشعوب.

السويداء، الدروز، والمستقبل العربي

بناء السلام في سوريا لا يتم إلا عبر جسر من الثقة بين مكوناتها. فهل سيكون الدروز حجرًا في هذا الجسر؟ أم أداة في يد من يسعى لهدمه؟

السويداء اليوم ليست مجرد مدينة، بل مؤشر على استقرار الشرق الأوسط بأسره.

وتركيا، بحكم موقعها، تبقى داخل اللعبة وخارجها في آنٍ واحد: قوة موازنة، فاعل إقليمي، وضمير تاريخي.

افكارك